الحياة مليئة بالتجارب والتي من خلالها نتعرف على كيفية التعامل مع الأزمات المشابهة، لكن تجارب زوجات المدمنين لها طابع خاص وعميق، وقد تكون وسيلة للمرأة من أجل فهم ما يجب عليها فعله عندما تكتشف أن زوجها مدمن مخدرات، وتعينها على التعامل الصحيح مع الموقف حفاظا على أسرتها. فيما يلي بعض التجارب الحقيقية لمجموعة من النساء عانين مع أزواج مدمنين وقد تجدي في سردهن رؤية تفتح أمامك حلولا واقعية لمشكلتك.

تجارب زوجات المدمنين ما بين الصبر والانفصال

ما بين محاولة الصبر على. تصرفات الأزواج المدمنين وسلوكياتهم من أجل الحفاظ على الأسرة وبين التفكير في طلب الطلاق للتخلص من المعاناة تقبع الزوجات في ألم عاطفي متفاقم ولا يعرفن كيفية التصرف، وخير مثال لذلك تجارب زوجات المدمنين التالي ذكرها: 

التجربة الأولى

تجربتي مع زوجي مدمن المخدرات بدأت قبل الزواج، إذ كنت أعرف أنه يتعاطي الحبوب، حاولت معه باللين والنقاش ووعدني بترك المخدرات.

بعد الزواج بفترة لاحظت الكثير من التغيرات الجسدية والسلوكية عليه، حيث كان يعاني من الهلاوس والشك المفرط في تصرفاتي، دائما كان مؤرقا يغيب عن المنزل ولا يأتي إلا في ساعة متأخرة من الليل،الجمود العاطفي والإهمال واللامبالاة ونوبات الغضب كانت أبرز تصرفاته، كنت أعاني الوحدة والرعب بمجرد سماع خطواته تقترب. 

أصبح النقاش بيننا عبارة عن مشاجرات تصل إلى حد العدوانية من قبله بسبب تقليه المزاجي وأزماته المالية المتكررة والاستدانة وتراكم الديون. 

اصبحت الحياة تضيق، وزوجي غير مبال بما يحدث، قرأت عن الإدمان وأعراضه وتأكدت أنه مدمن وعندما واجهته بالأمر أنكر واتجه للعنف والعدوانية. 

أصبت بالاكتئاب الشديد وتدهورت حالتي النفسية، وكان ذلك هو الحد الفاصل بيني وبينه، إذ لم أجد بد سوى الانفصال عنه بعد أن وصل الأمر بيننا إلى طريق مسدود بسبب إصراره على التعاطي، وتدهور حالتي الصحية والعنف الذي كان يمارسه علي. 

التجربة الثانية 

عمري 35 سنة تعايشت مع زوجي المدمن لمدة عامين، عانيت فيهما من إهمال ووحدة، وضعف وضغط نفسي لا متناهي، لكنني اخترت الصبر والمحاولة من أجله وأجلنا. 

زوجي أدمن على الحشيش وخلطه بالكحول، وكنت أعرف ذلك كوني لدي تجربة أخرى مع أخي المدمن من قبل، ربما هي التي اعانتني على كيفية التعامل مع الموقف، وجعلتني أكثررؤية للمآلات وحكمة في المحاولة. 

بدأت أعراض الإدمان من اضطراب جسدي ونفسي تتفاقم على زوجي، خاصة معاناته من الضعف الجنسي والسكر والثمالة وإهمال رعايتنا والإيفاء بمسؤليات الأسرة والعزلة والانطواء وانخفاض القدرات الذهنية وردود الفعل البطيئة وغيرها. في تلك المواقف يكون الاستخدام القهري اللاوعي سمة المدمن الأساسية والاضطراب العاطفي والعقلي هو عالمه، لذا تعددت محاولتي من أجل أن اقنعه بالعلاج. 

الصبر على الزوج المدمن يحتاج إلى كثير من المجهود والتحكم في النفس والذكاء في التعامل وتفهم أنماط وشعور الزوج واتخاذ سبل الحماية أيضا فربما تنتابه نوبة انفعال وهياج تهيؤات وأوهام، لذلك خططت عند المواجهة الأولى إبعاد الأطفال عن المنزل حتى لا يتعرضون للأذى. 

ذهب الأطفال إلى جدتهم، قبل ذلك كنت اتفادى الصدام مع زوجي المدمن بأي طريقة حتى لا يحدث تصاعد، اخترت الوقت المناسب للحديث، حيث كان زوجي مرتحا يقظ إلى حد ما، بدأت الحديث بأنني أعرف بأمر إدمانه، وأفهم جيدا ما يمر به وعلى استعداد للصبر معه للنهاية وسأظل بجانبه لمساعدته لأنني أعرفه جيدا، وأعرف أن شخصيته أقوى وتستحق أفضل مما فيه. 

كانت لتلك الكلمات تأثير بالغ عليه، فالخطوة الاساسية ليفظة الزوج المدمن هو ابداء التعاطف وتقديم يد المساعدة، وكانت الخطوة التالية هو ابداء القلق عليه وما يمر به ومناقشة أضرار الإدمان عليه وعلى الأسرة، وكيف سيراه أطفاله، وكيف ستكون العلاقة بيننا؟. 

لم انتظر منه جوابا بل امضيت في الحديث عن الإدمان وكيف يسيطر على الفرد، وتحدثت عن سبل العلاج والقدرة على التغيير وخلق حياة أفضل.  بالطبع كنت اواجه إنكار، وأحيانا تجاهل أو وعود بالإقلاع، ولكني كنت أراقب في هدوء وأناقش أسباب التعاطي لديه دونن غضب أو لوم أو تهديد، حتى لانت عريكته وأبدى استعداده للعلاج. 

ساعدني على مشواري هذا متخصصو مستشفى الهضبة إذ كنت أتابع معهم الموقف، واتبع نصائحهم بمعاونة أخي المتعافي من الإدمان أيضا، لذا بمجرد أن اقتنع بضرورة علاج الإدمان توجهت معه إلى مستشفى الهضبة، وخضع لعلاج أعراض الانسحاب وبرنامج التأهيل السلوكي، بعد مرور 3 أشهر، كنت أعرف تماما ما أفعله معه في أيام التعافي، حيث المشاركة والدعم والبعد عن مسببات الإدمان واتباع أنماط السلوك الصحي. اتفقنا أنا وزوجي على طي صفحة الإدمان والبدء في حياة جديدة، وهو الآن متعافي منذ 3 سنوات.

التجربة الثالثة 

لا يستطيع الزوج المدمن إخفاء أمر إدمانه، فالعلامات والأعراض التي تنتابه تتصاعف حتى تخرج عن سيطرته خاصة على المستوى المالي والسلوكي، إليك مع حدث معي بخصوص إدمان زوجي: 

كنت اسمع عن معاناة زوجات المدمنين ولم أكن اتخيل أن يحدث ذلك لي، فجاة صدمت بواقعي، عندما رأيته بعيني يتعاطي المخدرات. 

زوجي كان عطوفا ناجحا في عمله، ثم بدأت أحواله تتبدل، يغيب عن المنزل، لا يهتم بمظهره الخارجي، ينام طوال النهار، ويسهر طوال الليل تنتابه نوبات الهلع والفزع، في البداية ظننت أنه الامر بسبب ضغط العمل أو تقلب مزاجي طارئ، حاولت كأي زوجة التخفيف عنه واحتوائه خاصة ملاحظتي لارتفاع مستويات القلق وعدم السيطرة على انفعالاته امام أطفالنا، الإحراج الذي يسببه لنا في أي تجمع اجتماعي، السخرية وإيذاء المشاعر وتدهور العلاقة بيننا. 

انتابتني الشكوك حول تعاطيه المخدرات خاصة بعد ضعف جسده واحمرار عينه الدائم والغثيان والقئ المستمر، كانت حالته تتدهور حتى وصل إلى قمة الاضطراب العقلي وجنون الارتياب، حاولت معرفة الحقيقة، وفي يوم تعمدت ترك البيت خاليا مصطحبة الأطفال إلى أقاربي، ثم رجعت إلى البيت فجاة فوجدته يتعاطى الهيروين. 

كانت صاعقة بالنسبة إلي، نظرت إليه ولم أتفوه بكلمة وذهبت إلى الغرفة الأخرى متوقعة أن يأتي خلفي ولكن كان إدمانه أقوى منه ولم يأخذ أي ردة فعل.

في الأيام التالية أصبحت اخاف على اطفالي واتجنب النقاش معه كنت لا استوعب الصدمة وتتقاذف الصور في ذهني وهو غير مبال، فجاة قررت الابتعاد عنه والذهاب إلى منزل والدي، بعدما قرأت عن عنف مدمن الهيروين وخطورته على الزوجة والأبناء، ولكني أيضا قرأت عن كيفية التواصل مع الزوج المدمن، فعزمت الامر على المحاولة ولكن عن بعد. 

تناقشت مع والدي طويلا، وقرر مساعدتي، اتفقنا على المحاولة معه وإبقاء الأطفال بعيدا، لم يكن الأمر كما توقعت ففي الاتصال الأول بدأ زوجي يبرز مبررات تعاطيه وبات يرواغ ويختلق الأعذار، بدعم أبي استطعت التواصل معه أكثر من مرة وأبدي استعدادي للرجوع إذا ما اختار علاج إدمانه، حيث كشفت له عن خوفي وقلقي والضغط النفسي الواقع علي، كشفت له عن معرفتي بخصال المدمن وفي لحظات اضطرابه قد يلحق الضرر بأطفاله. 

غاب زوجي لمدة 4 أشهر وانقطعت أخباره. بعد مرور تلك الفترة وجدته امامي ويخبرني أنه عالج إدمانه وهو الآن في مرحلة التعافي، ويحتاج إلى دعمي ومشاركتي لمنع الانتكاس، حاربنا سويا مع أعراض انسحاب المخدرات طويلة المدى بتنفيذ خطط الرعاية اللاحقة كما حددها له المتخصصون وعندما دخل إلى قلبي الاطمئنان رجعت إلى المنزل وعادت حياتنا إلى طبيعتها. 

ربما من حسن حظي أن زوجي كان متعلقا بي وبأطفالي وخطوة ابتعادي في الوقت المناسب مع التواصل الداعم له هداية من الله للم شمل الأسرة من جديد والتخلص من مخاطر الحياة مع زوج مدمن. 

 لا تنتهي معظم معاناة الزوجات المدمنين بالانفصال أو العلاج بعد الصبر والمحاولة، إذ بعد التجارب قد يسدل الستار عليها بموت الزوج جراء جرعة زائدة من المخدرات، أو السجن نتيجة تورط الزوج في أعمال إجرامية، بعض التجارب أيضا قد يتخللها العنف الأسري المستمر، واضطراب الزوجة النفسي دون ان تهتدي إلى حلول، وكثيرا ما ضاع الأطفال وتدمرت الأسر بسبب إدمان الزوج.

معاناة زوجات المدمنين من وجة نظر الطب النفسي 

كل زوجات المدمنين يعانين بلاشك في تفاصيل حياتهن اليومية، ما بين معاناة من فقدان التواصل والجمود العاطفي، العنف والعدوانية، الإهمال الأسري وتركهن بلا عائل، وقد يحدث أن يسرق الزوج عنوة أموال زوجته، وهناك زوجات لم يصلوا إلا تلك المراحل ولكنهم يستنفزن نفسيا بسبب إلقاء مسئوليات الأسرية عليهن من حيث تربية الأطفال وعدم المشاركة والتجاهل وكثيرا التوبيخ وإلقاء اللوم في حالة الإخفاق وغيرها من مظاهر سلوكيات وتصرفات المدمن الاضطرابية. 

وبالطبع تناول الطب النفسي المختص في اضطرابات الإدمان تلك الحالات، ناصحا بعد انتظار الزوجة لبلوغ ذلك الحد من المعاناة متجاهلة الموقف أو وضع حلول، أو تعمل على التستر على الزوج وخلق الأعذار والتبريرات له، لأن ذلك كفيل بأن يزيد تمكن الإدمان من زوجها، فالصبر على الزوج يجب ان يكون مقترن بمعطيات تشير أنه قابل للإقناع بأمر العلاج ولديه استعداد للتغيير، أما الوصول إلى مرحلة تشكيل الخطر على الزوجة والأطفال وأخذ الأموال عنوة وعدم الإيفاء بمسؤوليات الأسرة يعني أن الطلاق من الزوج مدمن المخدرات هو الحل الوحيد لحماية الأطفال من الخطر. 

في حالات متعددة كما رأينا في تجارب زوجات المدمنين السابقة تستطيع الزوجة اتخاذ وسائل متعددة للتعامل مع زوجها المدمن وإقناعة بالعلاج، وذلك القرار يجب أن يكون نابع من رؤيتها وإحساسها بوجود أمل في الإصلاح ومرونة الزوج تجاه العلاج، ولا أحد غيرها يستطيع اتخاذ ذلك القرار حسب قدرتها وعلاقتها مع زوجها واستجابته لها عبر المناقشات المتزنة دون تهديد او لوم، وتوضيح مدى الضرر الواقع عليها جراء إدمانه. 

لذا إذا كان زوجك مدمن يجب أن تحكمي عليه من منظورك أنت، وتحاولي حثه على الإقلاع وترك المخدرات باللين والتفهم، ومعرفة طرق علاج الإدمان واتباعها ومشاركته في التعافي بالدعم والمساعدة وااتحفيز والتشجيع، وعدا ذلك فالحياة تستحيل مع زوج مدمن مخدرات. 

سيساعدك بالتأكد التواصل مع اطباء مستشفى الهضبة للطب النفسي وعلاج الإدمان عبرر الواتس آب 01154333341، في كيفية إقناع زوجك واختيار طرق العلاج الآمنة.

الخلاصة : باختلاف الزمان والمكان لا يخلو أي مجتمع من تجارب زوجات المدمنين، فالمشكلة متأصلة منذ عشرات السنين، خاصة أن الإدمان مرض عقلي، وقد يقع الزوج المدمن في الانتكاسة مرارا مع وعوده بالإقلاع أو محاولات ترك المخدرات.
يجب أن تعلم الزوجة أن تجربتها مع زوجها المدمن خاصة وتحتاج منها إلى تأني في الحكم عليها، بعد أن تقرأ عن الإدمان وتفهم أفكار ومشاعر الزوج المدمن، عليها أن تنظر للأمر ومقدرتها على إقناع زوجها، فإذا كان هناك أمل واستعداد للاستماع من قبله في محاولات النقاش الأولى يمكنها الصبر حتى يخضع للعلاج ومساعدتع في التعافي، أما إذا كان يشكل خطرا وتفاقم الاضطراب العقلي والإدمان عليه فنحن هنا نزكي الابتعاد أو الانفصال إن لم يمتثل للعلاج.

ا. الهام عيسي