الفترات الانتقالية دائما ما تشعرنا بالتوتر والخوف من الانزلاق في الخطأ، وهكذا يكون الأمر عندما نبحث عن كيفية التعامل مع المدمن فترة العلاج، إذ نحاول أن نكون عنصرا فعالا في مساعدته وتوفير متطلباته وتلبيتها حتى يشعر بإيجابيات التخلص من الإدمان أو على أقل تقدير نتجنب أي مانع قد يعيق تقدمه، لذلك تحديدا نتوخى الحرص والحذر. 

بهذا الصدد ولأن العائلة قد عانت هي الأخرى من أضرار الإدمان أوصى المتخصصون بمجموعة خطوات تساعدهم في التعامل الاكثر صحة مع مدمن خاضع للعلاج سواء في مركز متخصص أو في المنزل، وفي ذلك سنتحدث بشكل تفصيلي حتى تهدأ النفوس أولا ثم ترتب افكارها وأخيرا تبدأ في فهم وتنفيذ منهج صحيح يساعد في رحلة علاج المدمن وتعافيه.

كيفية التعامل مع المدمن فترة العلاج في مركز متخصص

وجود المدمن فترة العلاج داخل مركز متخصص ستمنحنا فرصة للهدوء النفسي وتخفيف العبء من فوق كاهلنا، لأننا في خطوة علاج الإدمان الأولى فترة سحب السموم لن يكون لنا – أسرة أو أصدقاء- دورا كبيرا معه، لأنه سيكون أكثر احتياجا للرعاية المهنية المتخصصة لمنحه الراحة والاسترخاء فترة التعرض لأعراض الانسحاب، لذا خلال تلك الفترة يجب أن نتصالح مع الفترة الماضية مع أنفسنا أولا ثم مع ما دار خلالها، ونحاول الشفاء منها بشكل مبدئي، ونحاول الحصول على دعمنا الخاص لنبدأ خطة التعافي الخاصة بنا، بالطبع سيحدد لنا الأطباء في مركز علاج الإدمان الفترة التي يمكننا فيها التواصل مع المدمن، لذا خلالها من المستحب أن نهتم بأنفسنا حتى لو كانت الفترة وجيزة، بعد التقاط الأنفاس.

يجب أن نرسخ في أذهاننا أن المدمن يمكنه أن يتعافى بمساعدة الكادر الطبي ومساعدتنا له ولأنفسنا أثناء التعامل معه أثناء وبعد العلاج، فالتعافي نسبته مرتفعة بين المدمنين خاصة إذا خصع لبرامج العلاج السكنية واستمر في تنفيذ خطة الرعاية اللاحقة بوجود دعم اسري ومهني قوي من حوله، مع العلم بأن التعافي رحلة مستمرة للمدمن ولنا أيضا، يساعد قراءة تجارب المدمنين المتعافين في تنمية ذلك الشعور داخل أسرة المدمن، مع تبادل الخبرات مع الأسر التي عايشت مواقف مشابهة. 

سيقوم الأطباء عند بدء انتساب المدمن للمركز بإسداء نصائح حول كيفية التعامل مع المدمن أثناء فترة العلاج الداخلية في المركز يمكن مراجعتها فيما يلي: 

كيفية التعامل مع المدمن فترة العلاج في مركز متخصص

التواصل في الأوقات التي يحددها الأطباء 

في تلك المرحلة يجب أن نكون أكثر طواعية لتنفيذ وصايا الأطباء حول التواصل مع المدمن أثناء العلاج من خلال الالتزام بالمواعيد المحددة للتواصل أو زيارته، فمراكز علاج الإدمان الموثوقة تتبع خطة إشباع عاطفي مهنية تتوافق مع متطلبات المدمن ومستواه الشعوري والفكري حسب التشخيص السابق للعلاج، بالتالي وضع مواعيد للتواصل والزيارة له فوائده على المدمن التي تساعد وتدفعه لتعزيز تركيزه على العلاج أكثر من الانشغال بالعالم الخارجي. 

الدعم الإيجابي المتزن 

في فترة علاج المدمن يجب ان يكون نهح التعامل مرتكزا على الوسائل الأكثر فائدة له دون إدخال العاطفة المبالغ فيها حيز الحديث، لذا فالدعم الإيجابي المتزن يكون من خلال التشجيع على الاستمرار في العلاج، وجعل الحديث عن إيجابيات العلاج هو محور حديثنا، دون التطرق لفرد نقاشات حول إرادة المدمن لكسر العلاج والخروج من المركز، طالما يتم معاملته بآدمية وبطرق احترافية تناسب حالته، وليس معنى ذلك أن نرفض حديثه او نظهر غضبا، بل نستمع إليه جيدا ونحسن الإصغاء، ثم نتجه لملاحظتنا فيما يخص تحسنه وقدرته على المواصلة وتحقيق هدفه. 

التشجيع وإظهار التقدير

يجب أن نركز على التشجيع بطرق مختلفة، اهمها إظهار الامتنان والفخر بقرار المدمن بالعلاج، وإبداء الإعجاب بما وصل إليه وتقدير إنجازه وما حققه حتى الآن. 

الحديث المثمر لاسترداد الثقة 

في المراحل الأولى أثناء علاج المدمن قد يكون منتظرا لرؤية ردة فعلنا لما يفعل، وما تأثير فترة إدمانه علينا، لأنه قد يكون بين مشاعر تأنيب الضمير أو جلد الذات، وعلى هذا الأساس يجب أن نتجنب أي ذكر لفترة الإدمان، ونبدي سعادتنا بما هو فيه الآن، كما يجب تجنب الملاحظات غير الإيجابية، والعمل على تعزيز ثقة المدمن في نفسه وقدرته على النجاح.

تعزيز تركيز المدمن على تعافيه 

من ابرز المسؤوليات الحتمية والضلع الاهم في أسلوب الأسرة أو الزوجة في التعامل مع مدمن خلال تلقى العلاج هو تعزيز تركيزه على تعافيه من خلال الابتعاد عن ذكر المشتتات مثل ذكر معاناة الأسرة من الوضع المادي، أو عدم وجود راع لهم، أو الحديث عن مستقبله بعد الخروج من المركز، ويجب أن يتم سد تلك الأمور وإيجاد حلول لها قبل دخول المدمن المركز حتى يكون مطمئن تماما، بدون إجهاد ذهني، كما يجب العمل على تمرير الطمأنينة للمدمن على أسرته وأنهم بانتظاره متعافيا نظرا لقيمته الكبيرة بالنسبة إليهم. الكلمات البسيطة والمعبرة والتي تلائم شخصية المدمن سيكون لها تأثير كبير لتشجيعه على التركيز وفقط على العلاج. 

الاشتراك في برنامج تعافي الأسرة 

تعتبر تلك الخطوة بداية التمهيد لخلق روابط بين المدمن وأسرته للتعامل الصحيح بعد العلاج، كما أنه خطوة تعزيز دور الأسرة في التأثير بالإيجاب في المدمن في فترة تطبيق البرنامج العلاجي، حيث تتيح مراكز العلاج جلسات أسرية للتعافي بحضور أفرادها مع المدمن، وفيها يعمل الطبيب على تحسين العلاقات والتعريف بكيفية بناء الثقة، ومساعدة المدمن بعد التعافي، بجانب العمل على تخفيف آثار الإدمان الواقعة على الاسرة ومعالجة الصدمات وعدم الاستقرار النفسي، كما يتاح للاسرة الالتقاء بأسر المدمنين الآخرين وتبادل المشاعر والآراء والخبرات معهم. 

من خلال علاج المدمن في مركز متخصص سيخفف العبء على الأسرة كثيرا لأن المدمن محاط بالفعل بفريق نفسي و خبراء سلوكيين متكامل يعمل على إشباعه العاطفي، وبالتالي سيكون للأسرة حيزا اكبر للدعم المعنوي والقيام بدورها مع المدمن دون ضغوطات زائدة. 

كيف يكون تعامل الأسرة مع المدمن فترة العلاج في المنزل؟ 

علاج المدمن في المنزل قد يكون أحد الخيارات المتاحة لبعض الحالات التي لا تستطيع الالتحاق بالمراكز المتخصصة، قد يكون ذلك الخيار لظروف خارجة عن الإرادة، ورغم أنه العلاج سيكون اقل جودة لكنه ممكنا.

 من جهة اخرى سيكون على الأسرة أن تقوم بدور أكبر بكثير مما ينتظر منهم إذا كان المدمن تحت الإشراف المهني، حيث يتعايشون مع المدمن في فترة الانسحاب التي تحتاج لمزيد من الجهد والمشاركة والاحتواء وضبط النفس وتهيئة المحيط الملائم نفسيا وجسديا، على أن يقسم التعامل معه على مرحلتين.. مرحلة الانسحاب، ومرحلة ما بعد الانسحاب.

كيفية التعامل مع المدمن فترة الأعراض الانسحابية في المنزل 

تعتبر فترة أعراض الانسحاب الخطوة المفصلية التي ستعبر بالمدمن مراحل الخطر، ويجب أن تعلم الأسرة عند التعامل معه في تلك المرحلة انه يفقد السيطرة على نفسه جسديا ونفسيا إذا سيصاب باضطرابات مزعجة وقد تصل لدرجة الخطيرة، لذا ستلعب الاسرة دور مهني قائم على الإشباع العاطفي والمسؤولية في ذات الوقت، وعلى هذا الأساس ننصح أولا بخضوع المدمن للتشخيص لفهم حالته وتقريره الطبي، ووضع تصور للجدول الزمني لأعراض الانسحاب وذروتها ومتى يتم الاستعانة بالتدخل الطبي، بجانب تثقيف الأسرة حول كيفية العامل مع المدمن أثناء العلاج في المنزل في تلك المرحلة. من أهم النصائح في ذلك الصدد: 

  1. المحافظة على الهدوء والاتزان ونبرة الصوت الواثقة.
  2. تخصيص غرفة للمدمن نظيفة خالية من اي مواد حادة أو قابلة للكسر او ادوات للتعاطي.
  3. عدم الضعف امام أي محاولة للمدمن للحصول على جرعته، والاستمرار في عبارات التشجيع والدعم مهما بالغ في ردة الفعل.
  4. امتصاص غضب المدمن وهياجه. 
  5. المحافظة على مد المدمن بالسوائل المتاحة حتى يحافظ على ترطيبه.
  6. البقاء في غرفة قريبة للمدمن من أجل تلبية احتياجاته الصحية.
  7. توفير الراحة والبعد عن التوتر او الانفعال أو الضجيج.
  8. الالتزام بمنح المدمن الادوية الموصوفة من طبيب الإدمان الذي قام بتشخيصه.
  9. عدم ترك الأدوية بالقرب منه.
  10. الاطمئنان عليه كل حين.
  11. الالتزام بالغذاء الصحي ومشاركته إياه.
  12. العمل على تشتيت ذهنه عن رغبة التعاطي بمشاركته القيام بأي هواية او نشاط إذا كانت حالته تسمح بذلك.
  13. ممارسة الاسترخاء الذهني معه وطرق التنفس الصحيح.
  14. تذكيره بأضرار الإدمان الواقعة عليه.
  15. إبداء الفخر بما يقوم به.
  16. التحفيز بالهدايا في كل يوم يمر.
  17. الحرص على نيله قسطا مناسبا من الراحة والنوم.
  18. في وقت ذروة الأعراض الانسحابية ما بين 3 إلى 10 أيام يجب ان نراقب إشاراته الحيوية والتواصل مع طبيب مختص في حالة ظهور أي خلل.
  19. الثبات على موقفنا وعدم الانصياع لأي مراوغة من جهته أو اي محاولة لكسر العلاج.
  20. عدم التأنيب أو المعاتبة أو اللون أو الانهيار أمامه.
  21. ويمكن مشاركته في ملء فراغه ببعض الوسائل الترفيهية حتى لا يشعر بالملل مثل ممارسة الألعاب الإلكترونية أو مشاهدة الأفلام.
  22. الاحتواء النفسي قدر المستطاع مدام المدمن لا يشكل خطرا والاتجاه للأحاديث المسلية والممتعة دون ذكر مواقف فترات الإدمان.

غالبا ستهدأ فترة انسحاب المدمن بعد 15 يوما وتخف الأعراض على الأقل الخطيرة منها، حينها يمكن بدء العمل على التعامل معه في فترة التالية للانسحاب الحاد، وفيها قد يعاني من اعراض انسحابية أقل حدة، ولكن رغبات الإدمان والسلوكيات قد تحتاج للمزيد من الجهد، لذا على الاسرة ألا تفقد تركيزها. 

خطوات التعامل مع المتعافي بعد تخطي فترة السموم في المنزل 

بعد فترة تخطي السموم لا يجب على الأسرة ان تفرط في التوقعات، فرغم ان تحسن المدمن جسديا ونفسيا سيكون ملحوظ، ولكن الفترة التي تلي الانسحاب ستكون فترة حرجة ايضا من ناحية التعامل النفسي مع المدمن أثناء علاجه، هنا يجب أن نعلم ان أنماط تفكيره مازال الإدمان يتحكم فيها، كما أنه لم يعتاد بعد على السلوكيات والنشاط الحياتية الأخرى ولن يجد الإقبال النفسي على مزاولتها أو الشعور بالراحة عند الانخراط فيها، كما سيظهر عليه بعض الأعراض الانسحابية طويلة المدى، قد تكون ليست حادة ولكنها مزعجة وتتلاعب بعقله، وعلى هذا الأساس فالمدمن لا يزال لم يصل لمرحلة الاستواء أو التحكم في انفعاله كما تراوضه رغبات التعاطي وما يزيد تلك الرغبة حالة الملل وعد الانتماء التي يشعر بها، لذلك يجب أن تكون الاسرة أكثر جدية لمساعدته في تلك المرحلة، لأنه المدمن مازال في مرحلة في العلاج. 

يمكننا أن نفعل ما يلي لنكون أكثر فعالية في التعامل مع المدمن أثناء العلاج بعد تخطي السموم في البيت: 

  1. مناقشة داعمة حول ما يشعر به والاستماع الجيد لما يدور داخل رأسه.
  2. تقبل انفعالاته ومحاولة احتوائه.
  3. إظهار الاستعداد التام للدعم المطلق.
  4. التحفيز بالتأكيد على قدرته في تخطي تلك المرحلة.
  5. مناقشته حول اللجوء للاستشارة السلوكية التي ستكون خطوة فعالة في زيادة مقاومته لرغبة التعاطي.
  6. صياغة عالم اجتماعي بديل للمدمن من أجل زيادة شعوره بالانتماء وإبعاده عن الحنين لمحيط الإدمان، وقد يكون الاشتراك في مجموعات التعافي خيارا جيدا.
  7. إبعاده عن المشتتات وعوامل الإجهاد الذهني ليكون تركيزه منصبا في تطوير ذاته.
  8. تنظيم نشاطات يومية صحية ومشاركته إياها خاصة ممارسة الرياضة كل صباح.
  9. تنظيم ملائم لساعات النوم يلتزم به أفراد المنزل.
  10. البعد عن النقد أو اللوم أو التذكير بالمواقف المزعجة السابقة.
  11. الاحتفال بتحقيق الأهداف مهما كانت صغيرة.
  12. قد يكون السفر لمكان هادئ بعيد عن بيئة التعاطي حلا فعالا.

المدمن أثناء العلاج يكون في غاية الحساسية تجاه ردة فعل الآخرين، لذا افعالنا وحديثنا معه قد يحدث الفارق، يجب أن نشاركه نشاطه ونشجعه في مشاركتنا أنشطتنا اليومية البسيطة، مع تقبل تقلباته المزاجية بالصبر والهدوء والتفهم، وإبعاده عن الضغوطات، ومثيرات التعاطي والانتكاس، وخلق جوا و تعاملا إيجابيا.

ما الذي يجب فعله بعد علاج المدمن؟ 

تعزيز التعافي أهم ما يجب فعله والتعامل على أساسه بعد علاج المدمن سواء في مركز متخصص أو في المنزل، ويأتي ذلك عندما نعمل سويا على تعويد عقله على ربط رفاهيته بالأنشطة الصحية وتحقيق الأهداف، ولا يأتي ذلك بشكل فوري، فالمدمن يجاهد ما يحدث في المخ من أجل أن يشعر برضا نفسي تجاه حياته الجديدة بدون تعاطي، لذا فالاستمرار في الدعم والتشجيع والمشاركة والهدوء والاتزان في تقبل مراحل التعافي واستجابة المدمن هي الطريق المثالي للتعامل مع مدمن متعافي. 

ربما يكون الطريق شاقا ومرهقا سواء التعامل مع المدمن أثناء العلاج أو بعده، لذا استشارة المتخصصين ستكون بمثابة المتنفس للاسرة من اجل تجديد الدوافع ودعم كل من يتعامل مع مدمن لمساعدته في العلاج، تواصل مع مستشفى الهضبة في حالة الحاجة للمساعدة. 

قد يهمك: كيف نتعامل مع المدمن المتعافي

الخلاصة : المدمن أثناء العلاج يحتاج إلى دعما وتشجيعا ومعرفة عوامل الخطر التي تؤدي إلى ضعفه وتثبيط عزيمته وتجنبها، بجانب معرفة وسائل التحفيز والإشباع العاطفي اللازم من أجل أن يستمر في التقدم للوصول لمرحلة التعافي.

ا. الهام عيسي