قد يكون الألم العاطفي الناتج عن رؤية أشخاص نحبهم يدمرون أنفسهم بسبب الإدمان عاملا مشوشا على أفكارنا وطريقة تعاملنا في حسم الأمور، إذ تأخذنا الشفقة على حالهم ويداعبنا الأمل في تغيير الوضع حتى وإن فقدنا إعجابنا بهم، فحبنا لهم سيدفعنا لمزيد من الجهد. 
ومن الطبيعي في تلك الحالة أن نتساءل كيف أساعد حبيبي المدمن؟، ورغم أن رغبتنا أكيدة علينا أن نفهم أن المساعدة من قبلنا تقتصر على اقتناعه هو بضرورة الإقلاع عن المخدرات، لأنه مهما فعلنا لن يكون هناك جدوى طالما هو لا يريد ذلك، لذا أثناء تلك الفترة والتي من المتوقع أن تكون طويلة وشاقة علينا أن نتفهم أننا نتعامل مع مريض، يحتاج إلى دعم مباشر وغير مباشر حتى يقنع بضرورة التغيير.. إليك توجهات المتخصصين حول كيفية التعامل مع مدمن المخدرات ومساعدته في الابتعاد عنها. 

كيف أساعد حبيبي المدمن في الابتعاد عن المخدرات؟ 7 ركائز للتعامل معه

7 ركائز يجب الاعتماد عليها عندما تهمين بمساعد حبيبك المدمن عند التعامل معه أولها الدعم والتعاطف، ثانيهما حاولي أن تشعريه بأنه في حاجة للمساعدة،  والثالثة بيني الأضرار الواقعة عليك بحكمة، والرابعة تجنبي تمكين الإدمان منه، الخامسة  يجب أن يكون الابتعاد عن المخدرات قراره، والسادسة لا تورطي نفسك في الإحساس بالذنب وضعي حدود وبينك وبينه، وأخيرا اطلبي الدعم في الوقت المناسب، فكيف تفعلين ذلك؟ إليك بعض التفاصيل: 

ركائز هامة للتعامل مع المدمن

الدعم، الاستماع والتعاطف

دعم المدمن والتعاطف معه لا يعني مسايرته في أفكاره أو مجاوبته في التمادي بل دعما لاقناعه بالعلاج وترك المخدرات، ويأتي مبدئيا بالاقتراب منه والاستماع له أولا عن أسباب التعاطي لديه، وبما يشعر تجاه ما يفعل حتى يجد مكانا لتفريغ شحنته العاطفية والبدء في الانفتاح على الحديث، هي أول خطوة لبدء التعامل الصحيح معه لنتعرف على عالم المدمن الخفي وعمق تفكيره وإحساسه بذاته والأشياء، ذلك الفهم سيفتح لنا رؤية لكيفية إبداء التعاطف معه وبما يشعر، فإذا أحس أن هناك مستمعا بصدق، يتقبل مشاعره ويتعاطف معها ستكون خطوة جيدة لاستعداده للمناقشة لأنه اطمئن إليك كداعم لا شخص يحكم عليه. 

في بداية حديثك قد تقابلين تجاهلا، صمتا أو حتى انفعالا، لكن بعض الكلمات قد تكون لها تأثير بالغ عليه مثل: 

  1. بماذا تشعر؟ 
  2. أنا أتفهم مشاعرك و مستعد للاستماع إليك؟ 
  3. هل ترى أنك بصحة جيدة؟ 
  4. هل هناك ما يمكنني تقديمه إليك؟.
  5. أنا متواجدة لمساعدتك دائما؟.
  6. هل تعاني من مشكلة ما؟.
  7. نستطيع حل أي مشكلة معا، فقط اطلعني ع الأمر؟.
  8. أفهم جيدا ما تعاني منه لكن يمكنك التغلب على كل ذلك. 

إذا بدأ المدمن في الحديث في أي وقت لا تقاطعيه ولا تبدأي بإلقاء الأحكام على قوله أو نقد ما يقوله استمعي جيدا حتى لنهاية ولا تظهري ملل أو تململ أو انشغال، قولي سنتجاوز تلك الأمور علينا فقط العمل معا لإصلاحها، لا تتوقعي أن يستجيب لتلميحاتك بعد فترة قصيرة، قد يطول الأمر فاستمري في المحاولة. 

إقناعه بحاجته للمساعدة

قد يكون من الحكمة في بداية الأمر عندما ينفتح حبيبك المدمن على الحديث إظهار تقديرا لما يقول مهما كانت المبررات مستصغرة من وجهة نظرك، كما عليك إبداء الامتنان لثقته فيك وإقباله على التحدث في ذلك الأمر بأريحية، في المقابل لا تبدأي بإظهار الأضرار الواقعة عليه هو، فالمخدرات بالنسبة إليه في وقت الإدمان سبيل للراحة كما يوجهه عقله المضطرب بسيطرة الإدمان، لذا سيكون من المفيد إبداء القلق حول علاقتكما، اطرحي بعض الأسئلة: 

  1. كيف ترى علاقتنا مستقبلا؟. 
  2. هل تعاطي المخدرات يفيدنا في شيء؟.
  3. تخيل معي إذا أنا كنت أتعاطى ماذا ستفعل؟ 
  4. أنا أضع نفسي في موقفك تماما، حينها إذا أردت قربك ومساعدتك هل ستبقى معي؟
  5. اعلم جيدا أن الأمر قد يكون صعبا عليك، ولكن هل تعتقد انك مدمن لا يستطيع التخلي عن المخدرات بمفرده؟.
  6. هل تعاطي المخدرات يستحق كل ذلك العناء؟.
  7. كم مرة حاولت التوقف؟. 
  8. هل يوجد ما يمكنني فعله من أجلك؟.

عندما يهم المدمن بالإجابة يجب أن تمتصي كل غصب أو توتر يظهر عليه، وإذا كان غير مقبلا على الحديث توقفي وحاولي في وقت آخر أكثر مناسبة، على تلك الشاكلة يجب أن تزرعي في فكره برفق انه حقا يعاني مشكلة ويحتاج إلى مساعدة حقيقية. 

مناقشة الأضرار بحكمة

من المهم أيضا مع إظهار قلقك ومدى اهتمامك بتقديم الدعم أن تعبري عن الأضرار الواقعة عليك ولكن بعيدا عن نبرة اللوم والعتاب بتبيان تأثير الإدمان على مشاعرك نحوه مثل: 

  1. أصبحت أخاف الاقتراب منك عندما تكون تأثير المخدرات. 
  2. عندما تبتعد عني بسبب المخدرات أشعر بالوحدة.
  3. أحيانا لا أجد من أتحدث معه عندما تبتعد عني ولا أعرف الوصول إليك.
  4. غيابك يؤثر علي بسبب قلقي البالغ عليك. 

يجب أن تكون لغتك حانية دون إدخال نبرات هجوم على أفعاله، إذ أنك ها هنا تعبري عن تجربتك الشعورية معه، وأنك في حاجة إليه، مع إظهار الدعم والتفهم خلال حديثك، مع ضرورة أن يكون هناك حزما في إظهار ما تشعرين به بلا تردد أو خوف أو تراجع، لكن مع الحفاظ على الحكمة والهدوء، في تلك الآونة قد يختلق أعذارا أو وعود، قد تكون كاذبة، ولكنها بداية لإقناعه بضرورة تغيير الوضع. 

عدم تمكين الإدمان منه 

الهدوء والحكمة لا يعني أن ننجرف وراء أفكار حبيبك الإدمانية، يجب أن تفرقي تماما بين الشخص الذي اتحبينه وبين تصرفاته وسلوكه النابعة من سيطرة الإدمان عليه، لذا احذري فإن عقليته الإدمانية قد تستغل وجودك وشفقتك عليه، بأن يعد دون إيفاء، يبرر ويراوغ، يكذب، وحتى يحاول استغلال احساسك به ليستمر فيما يفعل

وحتى يكون هدفك الأول ابعاد حبيبك عن المخدرات عليك أن تتجنبي وسائل تمكينه من التعاطي كالتالي: 

  1. لا تتبعي أسلوب الهجوم أو التهديد، وبيني أن دعمك يهدف في النهاية إلى ترك المخدرات حتى لو طال الأمر. 
  2. حافظي على نبرتك الواثقة والمتزنة حتى لا يشعر المدمن أنه يتحكم فيك.
  3. موقفك دائما واضح بأن شخصيته الإدمانية تؤثر عليك، لكنك ترين أن شخصيته الحقيقية تستحق الأفضل.
  4. لا تحاولي تبرير أفعاله امام الآخرين أو التستر عليه والكذب من أجله، فذلك كفيل بأن يجعله يتمادى اعتمادا على تسترك عليه.
  5. إياك و إقراضه المال مهما بلغت توسلاته، فأنت بذلك تجعلينه لا يواجه حقائق ونتايج إدمانه. 

انت تواجهين عقلا مدمنا وإذا ساعدتيه على تيسير نشاطه لن يفيق أبدا من غفلته، لذا نحي عاطفتك جانبا بشكل مؤقت واجعليه يشعر بالألم نتيجة أفعاله واختياراته ولا تلبي احتياجاته، حتى يستشعر بعدم وجود حلول إلا ترك المخدرات حينها قد يتفطن بأن الوقت قد حان للتغيير حتى تكوني بجانبه. 

وضع حدود صحية 

وضع الحدود بينك وبين المدمن أمر حيوي في التعامل معه حتى لا يأخذك لمنطقه ويجعلك ترين الوضعية كما يرى هو، حتى لا يورطك عاطفيا بشكل عميق معه مما يجعلك تشعرين بالذنب وتجعلي نفسك سببا في إدمانه، إذ لم تضعي حدود سيأتي يوما ويقول أنت السبب..!

لذا يحب أن  تكوني واضحة معه  وتؤكدين أنك تمتلكين حياة وتحاولين تحسينها، لا تجعليه يسطو على وقتك وتفكيرك، فإذا أحس بالسطوة سيتلاعب عقله الإدماني بك، لكن يجب ان يتم وضع الحدود في إطار التفهم والدعم والحب، لا تفرطي في مساحتك الخاصة، واستمتعي بأوقاتك، وتيقني بأنك لا تستطيعين تغييره ما لم يقرر هو ذلك، لذا لا تجعلي محاولة تغييره تسطو عليك عنوة، لكن اجعليها محاولات مستمرة للحفاظ على نفسك من الإجهاد والضغط، لأن المدمن إذا انتبه أنك تتهاوني في حدودك سيعمل على استغلال ذلك لإشباع إدمانه لأنه يعتبره ضعفا منك. 

اقنعيه بأن القرار من أجله

التعامل مع الحبيب المدمن مهما بلغ تمسكك به يجب أن يكون قائما على تشجيعه على اتخاذ قرار الإقلاع، لأن في النهاية كل ما يحدث هو خياره وحده، لذا لا يجب أن تقرري نيابة عنه، ويجب يوقن أن قرار الابتعاد عن المخدرات يأتي من أجله اولا حتى يكون أفضل نسخة من نفسه، وعليه أن يتدبر أموره دون توريطك، لذا حاولي أن يكون اختيار العلاج هو الخيار الأخير أمامه، حينها ستكونين مستعدة للوقوف بجانبه، لانه في الاخير القرار قراره هو. 

ضرورة طلب الدعم 

الصبر والحكمة، عدم اللوم والعتاب والتهديد، الاتزان والهدوء عدم التمكين هي اساسياتك، ولكن لا تنسى انه في اوقات صعبة قد تحتاجين داعم لك انت أيضا وإلا خارت قواك، لذا من الممكن أن تطلبي الدعم من احد الأصدقاء ليكون بجانبك في الركائز السابقة، ويعمل ايضا على حثه ودفعه للاقتناع بالعلاج، كما يمكنك أن تطلبي الدعم المهني ورأي المختصين لفهم أفكار وشعور المدمن وطريقته في التلاعب حتى تكوني مستعدة جيدا مسبقا، كما يمكن معرفة خيارات علاج الإدمان المهنية من متخصص عبر التواصل واتس آب برقم: 01154333341

أساس مساعدتك لحبيبك المدمن هو زرع بذرة التفكير داخله بضرورة التغيير، وعدم الاستسلام، وبأنه قادر على فعل ذلك وتحدي الإدمان خاصة ان خيارات العلاج متاحة، لذا انت عبارة عن سبب قد يجعله يحاول العلاج، ولكنك لست مسؤولة عن قراراته واختياراته بأي حال من الأحوال، كوني داعمة في حال اختياره للعلاج فقط ولا تعطيه الفرصة ليسطو على حياتك. 

ماذا لو اقتنع المدمن بالعلاج؟ 

قد يطول أمر محاولاتك لكن عند اقتناع حبيبك المدمن بالعلاج وقرر ترك المخدرات عليك أن تكوني على أهبة الاستعداد لتقديم الدعم المطلق حينها، يمكنك مناقشته في كيفية العلاج التي يجب ان تكوني على علم بها مسبقا، والبداية تبدأ بتشخيص حالته وتحديد مدى إدمانه ووضعه الجسدي والنفسي لمعرفة أفضل الطرق لعلاجه، ثم وضع خطة لإزالة السموم والتاهيل السلوكي. 

التشخيص أمرا ضروريا والاتجاه للعلاج المهني لمعالجة المدمن سيوفر لكما الكثير من الوقت قبل أن يصيبه اليأس من المحاولة، تستطيع برامج علاج الإدمان المهنية في المستشفيات الموثوقة ان تلبي كافة متطلبات المدمن في مكان واحد وفي بيئة آمنة ومهيأة تماما لاستقباله في سرية تامة وبدعم مطلق. 

يبدأ البرنامج المهني بالتشخيص، ثم إزالة سموم المخدرات وبعدها يتم علاج وتأهيل المدمن سلوكيا ونفسيا، وغالبا مدة علاج الإدمان من 30 يوما وحتى 180 يوما حسب الاستجابة والمتطلبات. 

اختيار مركز موثوق من الأمور الهامة، والتوصية الدائمة بمستشفى الهضبة للطب النفسي وعلاج الإدمان الذي يعد من أفضل مرافق علاج الإدمان في مصر والوطن العربي سواء على مستوى الطاقم الطبي وخبرته، أو وسائل العلاج، أو عوامل الراحة الجسدية والنفسية والأمن والسلامة ونسب الشفاء العالية. 

ما دورك أثناء وبعد علاج إدمان الحبيب؟ 

أثناء العلاج ستلعبين دورا حاسما في مساعدة حبيبك المدمن من حيث الإشباع العاطفي، التشجيع وشحذ إرادته للاستمرار، سيكون من الجيد التواصل معه في الأوقات المسموح بها من قبل الأطباء والزيارة إن أمكن من أجل إيصال دعمك له، كما يمكنك حضور جلسات التأهيل السلوكي المخصصة لتحسين العلاقات وفهم انماط التعافي وبناء الثقة ومنع الانتكاسة.

بعد انتهاء فترة العلاج لابد أن نتفهم أن الشريك المدمن سيكون في فترة تعافي، تلك الفترة يجب أن تكون الشريكة على علم تام بوضعية المدمن المتعافي فهو في فترة العلاج قد تعلم وتدرب على مقاومة الأفكار الإدمانية بعد إزالة السموم والتأهيل، لكنه بالتأكيد مازال في وضعية الانتكاسة تجاه أي مثير، وبالتالي فترة التعافي ستكون التحدي الكبير لكليكما، وعليك في تلك الفترة ألا تتركيه عرضة للضعف من خلال مشاركته خطة التعافي وأنماط الحياة الصحية من غذاء، وممارسة رياضة، ومشاركة اجتماعية فعالة، كما يعد الابتعاد التام عن بيئة التعاطي من أساسيات التعافي، بجانب حضور مجموعات الدعم، والتطوير الذاتي واستراتيجيات الاسترخاء كالتامل واليوجا، يجب الاعتماد على التغيير الجذري لأنماط الحياة والتخطيط للأهداف وتشجيعه بشكل دائم، فالتعافي رحلة تستمر مدى الحياة. 

هل يستحق الأمر كل ذلك العناء ومتى نتوقف؟ 

الرابطة العاطفية بينك وبين الشريك ورؤيتك له هي التي تحدد هل العناء مستحق أم لا، فالحبيب المدمن يكون تحت وطأة الاستخدام القهري لذلك الدعم ومحاولة حثه على العلاج بالوسائل التي تناسب أفكاره واضطرابه الذي يعاني منه أمرا إنسانيا قبل كل شئ، لأن مساعدة إنسان للخروج من دائرة الإدمان وبناء حياة جديدة قد يكون اعظم عمل نقوم به على الإطلاق إن كنا نتوسم في ذلك الشخص خيرا ونعرف أنه يستحق اكثر من ذلك، كوننا شركاء مخلصين سيضيف ذلك إلى أرواحنا لأننا سنتغدى بإيجابيات العطاء إذ ننقذ روحا من الهلاك.

أما عن النقطة التي نتوقف فيها عن مساعدة الحبيب المدمن فهي نقطة إلحاق الضرر بنا، عندما يكون تواجده خطرا علينا وعلى صحتنا، عندما يكون عائق أمام تقدمنا وصحتنا النفسية والجسدية، عندما نشعر أن مساعدتنا له عرضه للاستغلال من قبله لإشباع إدمانه، حينها التوقف وترك الحبيب المدمن سيكون القرار الصحيح.

الخلاصة : الإدمان اضطراب في التفكير يسطو على عقل المدمنين ويجعلهم في تعطش دائم لجرعة المخدرات، لكن يجب أن نفهم أنهم واقعون في الاستخدام القهري والأمر يكاد يكون خارج عن سيطرتهم، لذا إذا هممت بمساعدة حبيبك المدمن للابتعاد عن المخدرات عليك بالركائز السبعة المذكورة انفا في المقال مع الأخذ في الاعتبار بالمتغيرات واستخدام تلك الخطوات في الأوقات المناسبة حسبما يقتضيه الموقف واستجابته لمحاولاتك، مع وضع قاعدة هامة وهي أنه في النهاية مسؤول عن قراره انت لست شريكة في ذلك لذا تحاولين أن يقتنع هو بتغيير نفسه، لذا لا تجعلي رغبتك في تغييره تسطو على عقلك وتقييم الوضع والانسحاب في الوقت الذي تجديه لا يستمع حقا إليك.

ا. الهام عيسي