من الجيد أن نعرف أن نسبة التعافي من الإدمان في تصاعد مستمر، بفضل الفهم الدقيق لاضطراب الإدمان والعمل على توفير متطلبات علاجه الحقيقية والشاملة في مراكز العلاج المتخصصة.
بعض المدمنين والأسر لا يفهمون معنى التعافى، وما هي ملامح الوصول إليه وأعراضه الإيجابية، لذلك يقع الكثيرون في فجوة اليأس، وعند فهم التعافي وأبعاده الحقيقية سيكون الشفاء ممكنا لأنه يرتبط كليا بالاستمرارية. في ذلك المقال سأتناول كل ما يخص نسبة التعافي ومدته بعد أن نفهم معناه والفرق بينه وبين العلاج.
محتويات المقال
ما معنى تعافي المدمن وهل هو ممكنا؟
التعافي من الإدمان هو أن يتعلم المدمن كيفية التأقلم مع حياته دون تعاطي، والمضي قدما للخروج من حيز الاستخدام القهري، ورفع قدرته الذاتية على توجيه حياته إلى أنماط السلوك الصحي والتعامل مع المشاعر السلبية وتنظيم افكاره والشعور بالرضا النفسي الغير معتمد على مفعول المخدرات، هنا يعمل المدمن على اكتشاف وتطوير إمكانياته الحقيقية، وبالتالي إجراء تغيير إيجابي يعزز صحته وعافيته.
بناء على ذلك نعم من الممكن أن يتعافى المدمن عندما ترسخ داخله الرغبة في التغيير، وتصبح أنماط السلوك الصحي نهج طبيعي لحياته بشكل يومي مستمرا فيه لأنه يشعر من خلاله بالرضا والرفاهية والقيمة والتواصل الصحي مع الذات والمحيط دون أن تغلبه المشاعر السلبية وتجعله يتخذ قرارات قهرية تؤثر على تعافيه.
تبدأ أولى خطوات التعافي بوعي المدمن بكيفية سيطرة السلوك الإدماني القهري عليه، وفهم مسببات الإدمان داخله، ثم العمل على اكتشاف السبل التي تعينه على إدارة الاضطراب والوقاية من الانتكاسة، لذا التعافي يكاد يكون نهجا مستمرا يحافظ عليه المدمن.
لا تترد في التحدث معنا وطلب استشارة مجانية
هل يشمل التعافي الشفاء من الإدمان؟
التعافي يعبر عن عملية استرداد المدمن لطبيعته والحفاظ على ما وصل إليه خلال فترة علاج الإدمان ليبقى بعيدا عن المخدرات، وبالتالي قد يشمل التعافي الشفاء من الإدمان عندما يتمكن المتعافي من الاستمرار على النهج الصحي بفهم ووعي وتطوير لا ينقطع حتى يبقى متعافيا.
بينما الشفاء من الإدمان في المطلق هو مصطلح غير دقيق لأن الإدمان قد يعود في أي لحظة إذا أهمل المتعافي رعاية ذاته وخرج عن استقامته، بالتالي لفظة شفاء تتوقف فقط على السعي الدائم للتعافي.
نسبة التعافي من الإدمان والشفاء منه
تشير الإحصائيات العالمية إنه إذا تلقى المدمنين علاجا يلبي متطلباتهم على أساس الواقع الطبي وتوافر الدعم القوي فإن 3 من كل 4 مدمنين قد يحافظون على تعافيهم، وهذا يعني أن نسبة التعافي والسعي للشفاء تصل إلى 75% عالميا.
وإذا ما حللنا الإحصائية السابقة سنجدها ضمنيا تتطلب عدة شروط لتتحقق تلك النسبة المئوية للتعافي بشكل فعلي، وتتشكل تلك الشروط من:
- استكمال برنامج علاج الإدمان الشامل.
- حصول المدمن على برنامج عالي المستوى مصمم خصيصا لحالته من أجل تأهيله وعلاجه سلوكيا مما يجعل اختيار مركز علاج موثوق يسخر الخبرات والكفاءات نقطة فارقة في تحقيق التعافي.
- إدماج المدمن في برنامج دعم مهني قوي أثناء العلاج وبعده بمشاركة أسرته.
ومن الطبيعي أن تؤثر حالة المدمن وشدة إدمانه ومدى الاضطراب العقلي الذي يعاني منه على نسبة تعافيه الممتد، فمثلا من استطاع الحصول على العلاج بشكل سريع تتعزز قدرته على التعافي، بينما الحالة الإدمانية المتأخرة التي يصاحبها اضطراب عقلي قد يصبح تعافيها بطيئا.
وهذا الحديث لا يعني أن حالات الإدمان الشديد لا تحقق التعافي، بل نعني هنا أن الانتكاسة قد تتكرر أثناء محاولة الاسترداد والتخلص من الاضطراب.
وبالمناسبة الانتكاسة بعد العلاج محتملة ونسبة حدوثها ما بين 35 إلى 65%، لكنها لا تعني البتة أن علاج المدمن لم ينجح، فالنجاح في التعافي يشمل وعي المدمن بأن الانتكاسة ليس فشلا، وإنما فرصة لفهم اضطرابه بشكل أعمق وتعديل خطط التعافي بعدما ظهرت مثيرات ومحفزات جديدة يجب العمل على تجنبها وتطوير مهاراته لمقاومة رغبة التعاطي عند الاحتكاك به.
وكل ما سبق يقودنا إلى حقيقة واحدة، أن نسبة التعافي من الإدمان تكاد تكون فردية بحتة تبعا لتجربة المدمن الخاصة، لكن الحصول على علاج مهني صحيح ودعم هو ما يرفع من احتمالات تحقيقها.
كم مدة التعافي من الإدمان؟
يستغرق العلاج من الإدمان من ثلاثة إلى ستة أشهر، وبعد مرور 12 إلى 24 شهرا دون انتكاسة يمكننا أن نقول أن المدمن تعافى من الإدمان، لأن خلال تلك المدة من المتوقع أن يتخلص الدماغ والجهاز العصبي بنسبة معقولة من تأثيرات الإدمان عليهما.
في أكثر من موضع إحصائي عبر الدول المختلفة وجد أن المدة التي تشير إلى التعافي من الإدمان بصورة كبيرة هي مرور5 سنوات بدون انتكاسات، وعلى الرغم من ذلك التعافي لا يتربط بمدة بل هو نهج حياتي يجب التأقلم معه طوال الحياة.
اقرأ بالتفصيل : مدة علاج الإدمان من المخدرات
أعراض التعافي من الإدمان
إذا كان المدمن سيسير في طريق التعافي فمن المهم أن يدرك أن عكس تأثير الإدمان عن طريق العلاج يتضمن إدارة ما سيعاني منه في مرحلة الانسحاب، وتأهيله نفسيا وسلوكيا لمقاومة رغبات التعاطي وإدارة اضطرابه الإدماني على المدى الممتد، لهذا أعراض التعافي من الإدمان تشمل اضطرابات فترة الانسحاب قصيرة المدى وطويلة المدى، بجانب الأفكار الإدمانية التي تحتاج إلى ضبط وسيطرة.
أولا أعراض التعافي من الإدمان الانسحابية
تتراوح مدتها ما بين أسبوع إلى أسبوعين، وقد تشمل الأعراض قصيرة المدى للتعافي المعروفة بالفترة الانسحابية:
- إمساك أو إسهال.
- غثيان وقئ.
- ألم عضلي ومفصلي.
- ألم بطن واضطراب معدة.
- تقلب مزاجي.
- قلق وتوتر.
- صداع.
- خمول وإرهاق.
- أعراض حمي.
- اضطراب الضغط الدموي.
- عدم استقرار في دقات القلب.
- ضعف التركيز والذاكرة.
وتختلف تلك الأعراض حسب حالة المدمن ونوع المخدر والشدة الإدمانية، إذ هناك حالات قد تظهر معها أعراض شديدة مثل الهلاوس، جنون العظمة، الاكتئاب الحاد، نوبات صرع، نوبات هذيان ارتعاشي، اضمحلال تنفس، وهنا تظهر أهمية سحب السموم بشكل طبي مهني متخصص.
ثانيا أعراض التعافي على المدى الطويل
قد تستمر أعراض التعافي على المدى الطويل لعدة شهور أو سنوات، وهنا يجب ان يستمر المدمن في تطبيق ما تعلمه داخل مركز إعادة التأهيل لإدارتها، وتأتي تلك الأعراض في صورة:
- رغبة في التعاطي.
- قلق وتوتر.
- انعدام اللذة.
- التفكير في نشوة المخدر.
- الضعف أمام مسببات الانتكاسة.
- الضيق الروحي.
- الانقطاع العصبي الإيجابي عن الأنشطة الصحية.
بينما هناك أعراض ما تلبث أن تتلاشى خلال 3 إلى 6 شهور على الأكثر بعد علاج الإدمان وأثناء فترة التعافي منها الصداع، اضطراب أنماط النوم والشهية، أعراض الاكتئاب.
كيف تعرف أنك تعافيت من الإدمان؟ إليك أهم العلامات
يمكنك أن تلمس في ذاتك العميقة أنك تعافيت من الإدمان عندما تشعر أنك أكثر هدوءا وقدرة على الاستمتاع بالسلوكيات الصحية وأكثر ارتباطا بحياتك الجديدة التي تشعرك بالقيمة الرفاهية القائمة على التوجيه الذاتي لأفكارك، عندما تصبح عاطفتك أكثر استقامة واندماجا مع واقعك الجديد، وبالطبع يتضمن التعافي بعض العلامات التي تؤكد حدوثه أبرزها:
- التوافق النفسي والعقلي: حيث يصبح المدمن المتعافي أكثر تقبلا لذاته متصالحا مع فترة الإدمان دون جلد للذات أو إحساس بالذنب يعيقه عن التعافي.
- الاقتناع وقبول التغيير وتنفيذه: من أهم العلامات التي تؤكد أن المدمن تعافى هو قبوله واقتناعه وتنفيذ خطوات التغيير، كترسيخ السلوك الصحي في يومه كعادات أساسية، الابتعاد عن بيئة التعاطي والسعي لتكوين علاقات إجتماعية إيجابية.
- الاستمرار في حضور مجموعات الدعم: الانخراط التام والاستمرار في حضور مجموعات الدعم علامة قوية للتعافي، وهذا يؤكد انفتاح المتعافي على حياته الجديدة، والتخلص من المشاعر السلبية، والتوافق مع مشاعره الجديدة والإحساس بقيمة التعافي.
- القدرة على مقاومة مسببات الانتكاس: عندما يتمكن المدمن المتعافي من قول “لا” عندما تعرض عليه جرعات من المخدر ، وعندما يتعرض لمسببات الانتكاسة كالإجهاد، الملل، ظهور رغبة في التعاطي ويستطيع إدارة تلك المواقف، والوصول إلى الاسترخاء، والحصول على درجة من اللذة الروحية بممارسة أنماط أكثر صحة يمكننا القول أنه مدمن يتمتع بتعافي قوي بالفعل.
- التنظيم الذاتي للعاطفة والفكر: سمة اليقظة العقلية والاستواء النفسي هي القدرة على إيجاد ممارسات لتنظيم العاطفة وفهم ما يمكن فعله لاسترداد الهدوء النفسي، وهذا حتما ما يعنيه التعافي من الإدمان، حيث يصل المتعافي إلى الاعتماد على ذاته فقط لتحقيق استقراره، وهنا ينقطع أو يضعف كثيرا الربط العصبي بيه وبين نشوة المخدر.
- السعي الدائم للوصول إلى أقصى درجة من الإمكانيات: الوصول إلى الانتعاشة، واليقظة والتواصل الصحي مع العقل والنفس مراحل تصل بالمتعافي تدريجيا إلى قمة الانشغال الإيجابي بتطويرذاته وتحسين مهاراته والوصول إلى أفضل نسخة منه في حياته الجديدة، والاستمرار في إجراء التغيير ليحقق الهدف تلو الآخر، وكلها أبعاد تؤكد أن تحسين العافية في طريقها الصحيح.
ما هي المستشفى الأكثر تحقيقا لنسب تعافي مرتفعة من الإدمان؟
تتعدد مراكز ومستشفيات علاج الإدمان، ولكن قليلا منها القادر على تحقيق نسب شفاء وتعافي عالية بين عملائها، ويرجع ذلك إلى تفاوت خبرة الكادر الطبي، وامتلاك الكفاءات، وآليات نجاح تأهيل المدمن حيث مستويات الرعاية، وتنوع برامج العلاج ودقتها، وتوافر الدعم المهني والبيئة الآمنة ووسائل الراحة الجسدية والنفسية، لذلك هناك تصنيفات للمراكز العلاجية على المستوى الرسمي وتبعا لمردود العملاء، ولكن في الأخير لغة الأرقام المسجلة رسميا لا يستطيع أحد التشكيك فيها.
وعلى الصعيد الرسمي والسمعة بين العملاء تحتفي مستشفى الهضبة سنويا بأنها المرفق المتخصص في مصر الأفضل والأكثر تحقيقا للتعافي من الإدمان على المدى الطويل بين عملائها.
الخلاصة : طريق التعافي من الإدمان هو طريق حياة، يشمل التأهيل المهني، ثم المقاومة، وبعدها المضي قدما في ترسيخ السلوك الصحي كطبيعة حياتية ممتدة لإدارة اضطراب التعاطي والتحكم في مستويات العاطفة والافكار، مما يقي المدمن المتعافي من أي انتكاسة محتملة. وبشكل واقعي نسب التعافي من الإدمان متفاوتة للغاية ولا يمكن التأكيد على إحصاء مؤكد لها، لأنها تزيد أو تقل على حسب عدة عوامل خاصة بالمدمن نفسه وظروف علاجه وجودته، بجانب حالته العقلية ودعم المحيطين به، وفي حالة توافر الظروف الحيثيات الملائمة فإذن نسبة التعافي من الإدمان في متوسطها قد تصل إلى خمسة وسبعين في المائة.
ا. حياة
أكتب تعليقا