هل المدمن يرجع طبيعي بعد العلاج؟، من أهم الأسئلة التي تكون إجابتها أساسا للتعامل الصحيح مع المدمن لمنع الانتكاسة. 

أحيانا قد يرفع المدمن من سقف توقعاته بعد العلاج ويستعجل العودة طبيعيا مما يدخله في بوادر الانتكاسة العاطفية التي قد تؤدي لرجوعه إلى التعاطي يأسا من حالته، وبطبيعة الحال الأهل كذلك إذ يشكلون ضغطا غير متفهمين لما يمر به المدمن بعد تأهيله وبأن طبيعته مازلت في طور التكوين مرة أخرى.. في ذلك المقال سنجيب بمنتهى الدقة عن عن تساؤلك في عودة طبيعة الشخص بعد أن عانى من الإدمان، لأن ذلك سيفتح لكم الرؤى لفهم معنى آثار الإدمان وملاحظة متى تزول. 

هل المدمن يرجع طبيعي بعد العلاج؟ 

يؤكد المتخصصون أن رجوع المدمن لطبيعته بعد العلاج أمرا ممكنا، ولكنه يحتاج إلى صبر وعمل طويل من أجل المحافظة على التعافي، لأن الإدمان يعد مرضا عقليا مزمنا يظهر انتكاسة في أي وقت بسبب مثيرات غير متوقعة.

من جهة أخرى عند البحث العميق سنجد أن البعد عن المخدرات أو تركها ليس العلاج النهائي، وبذلك يعد علاج الاضطراب الإدماني نهجا مستمرا مدى الحياة من أجل منع الانتكاسة وهذا يشمل أنماط التفكير والسلوكيات. 

أما فيما يخص تخلص الدماغ والجسم من آثار الإدمان بعد ترك المخدرات فلهما طبيعة عصبية مرنة تستطيع استرجاع الوظائف وإعادة بناء الخلايا في غصون 12 إلى 24 شهرا  بينما استرداد آليات التحكم في التفكير لدى المدمن المتعافي قد تصل لـ 5 سنوات على مراحل وبتدرج خاص بكل حالة على حسب الاستجابة الفردية للمتعافي ما لم يصاب المدمن المتعافي بمرض مزمن دائم على المستوى الجسدي أو النفسي. 

لذا على المدمن وأسرته إدراك معنى العودة طبيعا أولا، وهي القدرة على الوصول إلى درجة مناسبة من الاستقرار النفسي والتحكم في الأفكار والسلوكيات المبنية على الاختيار، ومزاولة أنشطة صحية وروتين يومي يمنح التوازن العاطفي دون التفكير في المخدرات، والتمكن من رفض كافة الأنشطة التي تعطي رفاهية مؤقتة بينما مضارها طويلة المدى.

من هذا المنطلق يحتاج كل مدمن أثناء وبعد العلاج إلى ثلاث خطوات رئيسية وهي الامتناع، الإصلاح، التطور في سبيل استرداد الحياة والتأقلم الطبيعي معها وهي كالتالي:

  1. خطوة الامتناع: وتبدأ بسحب السموم حتى الوصول إلى القدرة على مقاومة رغبة التعاطي واستيعاب المدمن المتعافي لحالته وتقبلها وفهم مخاطر الإدمان ورفضه، وتستغرق تلك المرحلة من سنة إلى سنتين. 
  2. خطوة الإصلاح: وهي بدء يقظة المدمن المتعافي في مواجهة أضرار الإدمان للعمل على إصلاحها على المستوى الذاتي والاجتماعي والوظيفي وغيرها وتلك الخطوة تحتاج إلى دعم قوي ومتواصل، وقد تستغرق تلك الخطوة من سنتين إلى ثلاث سنوات. 
  3. خطوة التطور: وهي مرحلة اليقظة وتطوير مكتسبات العلاج والتصالح مع الذات والعمل على نموها دون أن تؤثر فيها الصدمات السابقة، وفهم عميق للنفس وخطورة الانتكاس والعمل على منعه بعد إدراك مسببات الإدمان الرئيسية، ومرحلة التطور تلك تظهر ملامحها بعد علاج المدمن فعليا في غصون ثلاث إلى 5 سنوات ويستمر فيها على المدى الطويل. 

خلال تلك الخطوات ومع اختلاف التجارب يمر المتعافون بتقلبات بينما الجسم يمر بمراحل من أجل العودة إلى سابق عهده.

لماذا يستغرق دماغ المدمن وقتا طويلا  ليتعافى؟ 

 خطر المخدرات يكمن في السمية العصبية الواقعة على الدماغ، إذ تغيير من آلية عمله وتصل لأجزائه المسؤولة عن التفكير و الإدراك واتخاذ القرارات مما يجعلها أقل نشاطا واستجابة للمثيرات الخارجية وأقل ارتباطا بالنبضات العصبية، لذا كيمياء الدماغ والجسم تتغير كليا، ذلك التأثير هو السبب المباشر الذي يجعل الدماغ يستغرق وقتا للعودة للعمل بشكل طبيعي، لأنه سيحث المدمن المتعافي لفترة طويلة للتعاطي بعد ان قلل إطلاق النواقل العصبية خاصة الدوبامين المرتبط بنظام المكافأة والشعور بالرضا اعتمادا على مفعول المخدرات، ناهيك عن تأثر اللوزة الممتدة المسؤولة عن إحداث التوازن وتخفيف المشاعر السلبية، بجانب الإضرار بالقشرة الجبهية المسؤولة عن تحليل المعلومات وردة الفعل وضبط الانفعال. 

ولكن مثلما تكيف دماغ المدمن مع وجود المخدرات، سيعود مجددا للتأقلم مع عدم وجودها، وإذا صح الدماغ يصح الجسد بشكل تدريجي. 

مراحل عودة الدماغ والجسم إلى طبيعتهما بعد ترك المخدرات 

تزول آثار الإدمان ويحقق الدماغ والجسم الانتعاشة على عدة مراحل، إذ يبدأ المدمن بالإحساس بالتحسن بعد زوال السموم من جسده ويستمر الشعور الانتعاشة والتغيير حتى يصبح ملموسا ومؤثرا بعد 90 يوما والتي يعدها المتخصصون مرحلة التعافي المبكر، بينما يستمر الدماغ في التكيف والتأقلم للعودة إلى طبيعته خلال سنة إلى سنتين ويتبعه الجسم والأعضاء الداخلية ويشمل ذلك عدة مراحل: 

مراحل عودة الدماغ والجسم إلى طبيعتهما بعد ترك المخدرات

مرحلة التخلص من السموم 

في غضون 15 إلى عدة أسابيع يوما يتخلص الدماغ من سموم المخدرات حسب المادة المستخدمة وشدة الإدمان.

مرحلة تعافي أجزاء الدماغ 

بعض أجزاء الدماغ وخلايا هتظهر تحسنا في فترة وجيزة، بينما الأجزاء الأخرى قد تستغرق عدة شهور للعودة إلى طبيعتها، وهناك وسائل تساعد الدماغ على العودة بعد ترك المخدرات  منها الغذاء الصحي، التمارين الرياضية، وتنظيم النوم، وهنا تختلف استجابات كل مدمن متعافي على حسب جودة خطة الرعاية الطبية والرعاية الذاتية.

مرحلة عودة الدوبامين 

إذ لم يكن هناك اضطرابات عقلية تحتاج إلى علاج ممتد ولا تؤثر على نظام المكافأة في المخ فإن عودة الدماغ لإنتاج الدوبامين والنواقل العصبية الأخرى بشكل الصحي قد تستغرق 90 يوما، أما في حالة وجود اضطراب عصبي كالقلق والاكتئاب قد يستغرق عودة ذلك الناقل العصبي إلى سابق عهده وقت أطول.

مرحلة الضبط العصبي

قد تستغرق الوظيفة العصبية وقد أطول لضبطها للتكيف مع المتغيرات الجديدة، والارتباط الصحي بالمثيرات الخارجية وإعادة الاتزان للعاطفة من خلالها، لكنها مع التدريب المستمر، واستعادة العافية لأجزاء الدماغ تظهر تحسنا ملحوظا خلال العام الأول بعد ترك المخدرات.

مرحلة التكيف التحكم 

وهي المرحلة التي يستعيد فيها المخ نشاطه كاملا، ويعزز كفاءته، وإنشاء روابط عصبية قوية تجاه الأنشطة الصحية بدلا من روابط تعاطي المخدر، هنا يستطيع المتعافي أدراك أفكاره وعاطفته، سيكون الدوبامين في حالة صحية ومعظم المنظومة العصبية منضبطة، لكن يجب العمل باستمرار على الحفاظ على ذلك الاستقرار والإطلاق الصحي للنواقل العصبية المسؤولة عن العاطفة، فالمخ قد يشعل رغبة التعاطي والحنين إلى المخدر تجاه أي مثير للحصول على الإشباع الفوري أثناء انماط الحياة المختلفة لذا نقول أن التعافي من الإدمان عملا مستمرا مدى الحياة.

أثناء تلك المراحل يعمل الجسم هو الآخر لبناء نفسه بعد ترك المخدرات، حيث تبدا الكبد في استرجاع خلاياها ما لم يصبها التلف، والدورة الدموية تعود إلى مستوياتها الطبيعية، والقلب إلى سابق عهده، وقد نلمس تحسن ملحوظ في صحة الجسم العامة في غضون 3 إلى 6 أشهر، لكن بعض المدمنين قد يصيبهم اختلالات غير قابلة للشفاء خاصة على مستوى الجهاز الحركي والمنظومة العضلية والعصبية، خصوصا متعاطو المنشطات.

ماذا يفعل المدمن ليعزز تعافيه بعد العلاج؟ 

يمكن للمدمن تعزيز تعافي الدماغ والجسم وتحسين الضبط العصبي وكفاءة الأعضاء واستجابة المخ للأنشطة الصحية من خلال طرق الرعاية الذاتية: 

  1. تنظيم النوم والبعد عوامل الإجهاد.
  2. التوازن الغذائي الصحي والذي يعيد للنواقل العصبية حيويتها ويساعد في بناء خلايا المخ من جديد.
  3. الحركة البدنية والتمارين الرياضية التي تعيد التوازن النفسي والعاطفي بالإضافة المساهمة في تعافي بعض أجزاء الدماغ أهمها اللوزة والحصين. 
  4. الاشتراك في الأنشطة المجتمعية لتعزيز الرضا النفسي وبناء الثقة.
  5. تحديد أهداف والعمل على تحقيقها حتى لو كانت صغيرة للحصول على اللذة والمتعة، الاحتفال بالنجاحات لاسترجاع الشعور بتقدير الذات. 
  6. مشاركة الأسرة والبوح بالمشاعر لتعزيز الشعور بالانتماء وتحسين العلاقات.
  7. مواصلة ممارسة تمارين الاسترخاء والتأقلم واليقظة من أجل تعزيز قوة الروابط العصبية وصحة الدماغ.
  8. حضور جلسات العلاج السلوكي المعرفي لتطوير الذات وفهم مسببات الانتكاس بشكل أعمق.
  9. الإنتساب لمجموعات دعم التعافي التي تساهم بشكل فعال في الإشباع العاطفي للمدمن المتعافي بحضور مجموعة تتفهم مشاعر المتعافي وما يمر به.

دور الأسرة في مرحلة تعافي المدمن 

ربما تناضل الأسرة مع المدمن المتعافي لعدة أشهر لكنها مازالت ترى آثار الإدمان ظاهرة خاصة على المستوى العقلي لذا من الطبيعي أن يتساءلوا متى يرجع المدمن طبيعي بعد العلاج، وذلك يوضح انهم ليسوا على دراية بعد بكيفيات التعافي كما أوضحنا سابقا، وبعد قراءة ما ذكرناه، على الأسرة أن تدرك ان التعافي مشوار ممتد يحتاج إلى المثابرة، على ان تقوم الأسرة بدورها الفعال لتعزيز تعافي المدمن بعد علاجه مهنيا والذي يتبلور في:

  1. التفهم: يجب أن تدرك الأسرة أن المدمن يعيد بناء منظومته العصبية وقدراته على التكيف، لذا هو يساعد عقله وجسمه على البناء والإدراك، ثم العمل على التكيف مع الحياة الجديدة، وذلك الامر يحتاج إلى جهد كبير ومعاملة خاصة بتفهم مشاعره وتقلباته ومكامن صراعه.
  2. الدعم: يشكل الدعم الأسري حجر الأساس لتعافي المدمن، فالتشجيع والصبر والإحاطة والإشباع العاطفي خطوات لها تأثير طاغي على استمرار المدمن في المضي قدما في طريق التعافي.
  3. المشاركة: عندما يشعر المدمن أن الأسرة تشاركه أنماط التعافي ستعزز قوته واستمراره وإصراره، كما تضعه في موقف المسؤولية الجماعية. 
  4. الاستمرار: الاستمرار في التفهم والدعم والمشاركة سيخلق حاجزا نفسيا بين المدمن والتعاطي، حتى وإن انتكس المتعافي فلا يجب أن تعتبر الأسرة أن ذلك فشلا بل فرصة لتعديل المسار لخلق نظم أقوى تساعده على  الاستمرار في منع تكرار الانتكاس. 

يساعد الخضوع لبرامج التأهيل ذات الكفاءة العالية والتي تعمل على تلبية احتياجات المدمن الفريدة على رفع استجابته من أجل العودة طبيعيا أثناء وبعد العلاج، وتوفر مستشفى الهضبة أعلى مستويات التأهيل المتخصص في حال حاجتك إلى المساعدة تحت الإشراف الطبي الكفء، فقط تواصل عبر الواتس آب 01154333341لضمان أفضل الخيارات والرعاية.

الخلاصة :يعود المدمن طبيعيا بعد العلاج ما لم يطاله ضرر مستديم نتيجة آثار الإدمان، ولكن عودة طبيعته على مستوى التفكير والسلوك والتأقلم تستغرق وقتا ربما شهور أو سنوات، حتي يستعيد المخ والمنظومة العصبية الكفاءة المطلوبة، وعلى المستوى الجسدي فالجسم كفيل بإعادة بناء نفسه شريطة التزام المدمن المتعافي بأنماط الحياة الصحية.

ا. الهام عيسي