تجربتي مع ابني المدمن تبدأ بالشعور بالصدمة والخطأ في التعامل معه، ثم البحث عن حلول واقعية لإنقاذه، ثم فهم كيفية التعامل معه وإقناعه بالعلاج، وأخيرا التعرف على أفضل مستشفى لعلاج الإدمان وامتثاله للعلاج وتحقيق التعافي. 

من واقع تجربتي الحل مع ابن مدمن يبدأ من التعاطف معه ودعمه عاطفيا والتقرب منه وفهم مشاعره، ثم التواصل معه بحديث واثق حول الإدمان ومخاطره، وتأثيره علينا وإبداء القلق عليه، وقد يكون ذلك كفيلا بتغيير تفكيره واتجاهه للعلاج. قد تكون رحلتك صعبة من ابنك المدمن، لذلك قررت أن أروي تلك التجربة فخرا بما حققته معه، وتواصلا مع الأسر التي وقعت في تجارب شبيهة ولا تدري كيف تتصرف.!، إليك التفاصيل كما حدثت تماما. 

تجربتي مع ابني المدمن وكيف شككت في أمره 

بدأت تجربتي مع ابني المدمن تأخذ حيز الأزمة عندما وضح تأثير الإدمان عليه، قبلها كنت أعزي أفعاله وتصرفاته لحجج واهية.

لم يدخلني الشك لحظة ان ابني من الممكن أن يكون مدمنا على المخدرات وهذا كان أكبر خطأ ارتكبته، لأنه لا أحد معصوم من

ذلك، في البداية بدأت أحوال ابني تتبدل، إذ كان في المرحلة الثالثة في كلية الهندسة، كنت متأكدة أنه يعي ما يفعل، رغم أنني لاحظت تغيرات مفاجئة في حالته الجسدية والنفسية.

فعلى المستوى الجسدي بدى التغيير واضحا وظهرت ملامح الإرهاق على وجهه ونظراته إذ أصبح شاحبا وفقد الكثير من وزنه على نحو مفاجئ، أما من الناحية النفسية فكان قلوقا متوترا منفعلا، بطئ في ردة فعله، أعزيت ذلك لأعباء دراسته ولكن حالته كان تزداد سوءا. 

في البداية حاولت الحديث معه إذا ما كان يواجه مشكلة، ولكنه كان ينفي ويقدم حجج ومبررات متمثلة في صعوبة الدراسة وهنا كنت اقتنع لأنني اريد الاقتناع بذلك.

مع توالي الأيام، أهملت مشكلته وانشغلت بالالتزامات الأخرى، في يوم رأيته يعاني من القيء الشديد، والتعرق، كان جسمه باردا،  حينها نظرت إلى وجهه بتمعن لاحظت هالات سوداء، فم متعفن، بثور على الجلد، يشكو الألم، في غمار ذلك طلب مني النقود وخرج مسرعا. 

عندما عاد تبدلت أحواله، وأصبح مسترخيا هادئا، ينظر إلي بعين ناعسة وخمول واضح، يثرثر ويضحك دون سبب، هنا دخل إلى الشك أنه يتعاطى شيئا ما.. كنت أكذب نفسي، ولكنني كنت اريد التأكد.

كيف تأكدت من أن ابني مدمن مخدرات؟ 

كيف تعرف مدمن المخدرات، هذا ما بحثت عنه على الانترنت، انفتح أمامي العديد من. الصفحات تتناول أعراض وعلامات مدمن المخدرات، ومع القراءة بدأت اتذكر مشاهد  مطابقة لأفعال ابني تؤكد على وجود أعراض لإدمان المخدرات منها: 

  1. العزلة: بالفعل كان أبني يؤثر العزلة في الأونة الأخيرة منفردا بنفسه داخل غرفته بعيدا عن تجمعات العائلة.
  2. سرية التحركات: اتذكر ان ابني كان دائما حريصا ان تكون جميع اتصالاته سرية، ويصر بانفعال ألا يقترب أحد من أغراضه أو يدخل غرفته، او يعرف أحد مع من يتحدث.
  3. عدم الاستمتاع بأي نشاط: منذ وقت كبير لم ار ابني مستمتعا بأي نشاط يوم به، حتى هوايته المفضلة الرسم كف عن ممارستها، وشعوره بالرضا عندما يتحدث عن كتاب قراءة لم اره منذ فترة طويلة، هكذا كنت اجمع الصور التي غفلت عنها، والعلامات التي فوتتها بحجة دراسته.
  4. تغيير الأصدقاء بشكل مفاجئ: كان لديه اثنان من الأصدقاء يتواصل معهم بشكل دائم وفجاة قطع الاتصال بهما، ويرفض التحدث معهما، وظهر اشخاص آخرون في حياته يأتي بذكر اسمائهم من حين لآخر.
  5. المظهر الخارجي مهمل: كان ابني محبا للحياة يعتني بنفسه وبمظهره، ورويدا رويدا بدأ يهمل نظافته الشخصية والاعتناء بذاته وحتى ملبسه لم يعد كما هو.
  6. التقلب المزاجي: خلال مرحلة البحث لم افهم حقا مزاجية ابني، تعتريه الكآبة والبؤس، وفجأة يدخل في حالة انشراح وإقبال على حديث غير مفهوم دوافعه.
  7. الهياج والانفعال: أصيح الهياج والانفعال طبعا من طباعه عند محاولة محادثته عن أحواله أو توجيه رأي خاص حول حياته اليومية، يطلق أحكاما كلما اقتربت منه، ويرفض الحديث والنصح، حتى انه كان ان يتعدى على في بعض المرات عندما كان الإصرار موقفي لأن يتحدث. 
  8. الاحتياج الدائم للمال: خلال فترة الشك كان ابني دائم الاحتياج المال ويختلق أي سبب للحصول عليه.

من خلال التعمق أكثر في علامات ادمان الشباب للمخدرات وخاصة عندما تاكدت انه لا يذهب تقريبا للجامعة، بجانب منعه من دخولها بسبب مشاكله وأزماته المتكررة مع زملائه واساتذته تأكدت أني ابني مدمن مخدرات.

الأخطاء التي وقعت فيها عند التعامل مع الابن المدمن

تلقيت الصدمة عندما تطابقت اعراض إدمان المخدرات الجسدية والنفسية والسلوكية مع ابني، دار رأسي وشعرت بالدوار، ماذا أفعل الآن؟، لا أدري حقا، وكلما تخيلت صورته وهو يتعاطى انتابتني نوبة بكاء لا تتوقف، انتظرت حتى يخرج من المنزل، ودخلت غرفته، وقمت بالتفتيش في أغراضه، حينها وجدت أدوات التعاطي منها الأمواس، الولاعات، أوراق نقدية محروقة، بقايا تبع سجائر، ورق شفاف، أنابيب، نظرت إليها في حسرة وهنا تملكني الغضب الشديد.

الأخطاء التي وقعت فيها عند التعامل مع الابن المدمن

انتظرت في غرفته وتركت أدوات التعاطي بجانبي، دخل الغرفة مسرعا، وتسمر في مكانه عندما رآني بجانب متعلقاته، بادرت بالانفعال وبنبرة حادة وغاضبة قلت: ما هذا؟، ماذا تفعل بنفسك؟، لماذا تتعاطى المخدرات؟، هنا رأيت وجه الإدمان الحقيقي، تحولت ملامحه وقال أنا لا اتعاطى شئ، ولا أعرف عن تلك الأدوات شيئا، زاد انفعالي وقلت له ماذا عن جسمك ووجهك وسلوكياتك وبدأت في الضغط عليه، حينها انتابته نوبة انفعال عارمة وأخذ يضرب الأشياء من حوله يمنى ويسرى، ويصرخ ماذا تريدون مني؟!، اتركوني وشأني، شعرت بالخوف والفزع، دفعني بقوة حتى كدت أن أسقط. تركني وغادر المنزل. 

انتظرت في تلك الليلة ولم يأت،ولكنه أتى في الصباح التالي وهو تحت تأثير المخدرات، عندما رأيته بدأت في تهديده بالطرد، دخل إلى غرفته ولم يفتحها، وأصبحت أخاف من مواجهته مرة اخرى.

في تلك المرحلة كان يتعمد الذهاب قبل مواعيد الاستيقاظ، والرجوع في أوقات متأخرة، كنت أسمع صوته وهو يعاني الكوابيس، وما يلبث ان يصدر أصوات ضحك وكأنه يكلم أشخاصا أمامه، بعدها عرفت انها هلاوس المخدرات، بعدها بايام اكتشفت انه سرق الأموال من المنزل. 

يمكنكم القول انني وقعت في أخطاء كثيرة أثناء تجربتي مع ابني مدمن المخدرات منها التهديد، اللوم، العتاب، الغضب، عدم الاستماع إليه، وبذلك جعلت الإدمان يتمكن أكثر منه فحاولت البحث عن حلول أخرى.

كيف وجدت حل الابن المدمن؟ 

كونه هو الابن الوحيد وزوجي توفي منذ سنين كنت انا المسؤولة الأولى عن الوضع، لذلك كان على البحث عن حل. 

قرأت في معني الإدمان، وكيف يكون العلاج، وعرفت ان الإدمان مرض عقلي يتحكم في سلوكيات المدمن وتفكيره بصورة تجعله لا يعي ولا يدرك من الأساس أنه مدمن بسبب ارتباط المخ عصبيا بمفعول المخدرات، هنا بدأت في إدراك الأمر، وعرفت ان حل الابن المدمن هو معرفة التعامل معه على أساس أنه مريض يحتاج لإقناع بخطوات متأنية تعتمد على الإشفاق والنقاش والحزم في نفس الوقت، لذا بدأت في تغيير فلسفتي تجاه التعامل مع ابني إذ تحولت من محاولة إجباره إلى إقناعه.

تجربتي مع إقناع ابني بعلاج الإدمان 

بدات تجربتي مع ابني المدمن تأخذ منظور مختلف فبدلا من رؤيته مذنبا اصبحت أراه مريضا، وبدلا من اتخاذ الانفعال طريقة جعلت الاتزان والهدوء أسلوبي، وبدلا من إظهار الحب بالأوامر والعتاب والتهديد، كانت محاولات التفهم والاستماع وعرض المساعدة عليه، وكان حل الابن المدمن معي في سبيل إقناعه ومساعدته كالتالي: 

  1. أنا أفهم ما تمر به: كان يجب في البداية أن أعطيه انطباعا بأنني أفهم تماما ما يعاني منه، حتى يطمئن للحديث معي، كانت تلك الخطوة بطيئة نوعا ما، ولكن ببعض الكلمات استطعت أن أجعله يطمئن. 
  2. انا استمع إليك: كان من المهم أن استمع إليه جيدا وأؤكد أنني متفهمه كل ما يقول، حتى ينفتح في الحديث واستطيع الدخول معه في الحديث عن أسباب الإدمان
  3. ما الأسباب؟: كان من المهم أن أفهم لماذا تعاطى، لذا حاولت فهم الأسباب من خلال حديثه، وقال بأن التعاطي كان يساعده في التحصيل والدراسة في بادئ الأمر ثم تحول إلى إدمان.
  4. أنا هنا لمساعدتك: من المهم أن تتضمن الحلول مع الابن المدمن إشعاره بأنني هنا لمساعدته لا الحكم عليه، بالتالي كانت عباراتي تنم عن قلقي عليه ومحاولة الوقوف بجانبه ودعمه لحل المشكلة حتى يبدأ بالتفكير في الإقلاع خصوصا أنني بينت له مدى الضرر الواقع علي أنا بسبب إدمانه. 
  5. هل تعرف أضرار الإدمان؟: كان من المهم أيضا المناقشة في أضرار الإدمان وتطوراته، وان يعرف انني أفهم جيدا مآلات الإدمان، حتى لو برر موقفه أو انفعل، امتص انفعاله وأبدأ في سرد المخاطر بهدوء وحكمه. 
  6. هل تتحمل عواقب عدم العلاج؟: تلك الخطوة كانت بمثابة زرع بذرة التفكير في حتمية العلاج، حيث بدأت في الحديث حول العواقب، وهل يستطيع تحملها، إذ سيفصل من جامعته، وقد لا نجد مأوى بسبب الأزمات المالية المتلاحقة وغيرها من العواقب المحتملة. 

كانت محاولة الإقناع صعبة وطويلة إذ كانت ردة فعله أحيانا لا تميل للاستماع أو الحديث والتقلب المزاجي السمة الغالبة عليه، تجربتي مع ابني لاقناعه بالعلاج كانت شاقة، لذلك طلبت المساعدة من صديقيه، حتى اعترف أخيرا بحاجته للمساعدة وبإدمانه، لأنه حاول بمفرده ترك المخدرات ولم يستطع بسبب أعراض الانسحاب.

قد يهمك: كيفية التعامل مع المدمن فترة العلاج

كنت نتظر لحظة اقتناعه بفارغ الصبر، حتى استغل موافقته قبل أن تتلاعب بعقله الأفكار الإدمانية، حضرت كل شئ بعدما تكلمت مع متخصصي مستشفى الهضبة وتعرفت على برامج علاج الإدمان هناك، لذا في الصباح التالي حاولت إزالة مخاوفه تجاه العلاج كما أخبرني الطبيب وتوجهنا مباشرة إلى مقر المستشفى.

كيف تخلص ابني من تجربته مع الإدمان داخل مستشفى الهضبة؟

كان الخضوع لبرنامج علاج الإدمان المهني هي الخطوة الناجحة لتخليص ابني من تجربة الإدمان، حيث بحثت طويلا عن كيفية علاجه في المنزل وعرفت صعوبة تنفيذه بسبب شدة الأعراض الانسحابية المتوقعة واحتياجه للعناية الطبية، تواجد ابني داخل مستشفى دار الهضبة لمدة 90 يوما مر فيها بعدة خطوات لعكس آثار الإدمان العصبية والتخلص من سيطرة الأفكار الإدمانية عليه وكانت تجربة علاج ابني من الإدمان وما حدث داخل مستشفى علاج الإدمان كالتالي:

  1. البدء بعمل تحليل شاملة لمعرفة نسبة السموم داخل جسمه وتحديد الضرر الواقع على أعضائه ومخه، وتحضير تقرير طبي دقيق جسديا ونفسيا.
  2. مقابلة الأطباء معي لجمع كل المعلومات اللازمة حول فترة إدمانه، مثل فترة الإدمان، والمخدر الذي يتعاطه، اعراض إدمانه، وجود تاريخ عائلي للأمراض النفسية أو تعاطي المخدرات، أي مرض جسدي يعاني منه قبل الإدمان.
  3. بدء مرحلة سحب السموم من الجسم وإدارة الأعراض الانسحابية، حيث تم تحديد ادوية تخفيف اضطرابات الانسحاب حتى تمر بسلام، مع إقامة المراقبة الطبية للتأكد من استقرار حالته، في تلك الفترة كان من الأفضل تركه للتركيز في علاجه، وعرفت أن فترة الانسحاب الحادة انتهت بعد 15 يوما لتستقر حالته، تواصلت معه وأظهرت فخري بما يفعل، وبترديد عبارات التشجيع خلقت دوافع جديدة للاستمرار.
  4. الانتقال إلى مرحلة التأهيل النفسي والسلوكي وفيها تم التعامل مع ابني نفسيا ليستوعب حالته بعد التحسن الجسدي، وتطبيق الجلسات السلوكية الفردية والجماعية من أجل أن يتقبل ذاته، ويفهم كيف يتحكم الإدمان في عقله، وتعليمه كيف يعكس ذلك التحكم في صالحه ويقاوم أي رغبة ملحة تجبره على التعاطي، وتطوير الذات ليصبح طبيعيا في تنظيم عواطفه وسلوكه وتجنب مسببات الانتكاسة.
  5. حضور جلسات التعافي الأسري وفيها كنت أحضر مع ابني لأتعرف على استجابته وما وصل إليه في العلاج، وكان المختص السلوكي يعمل معنا لبناء الثقة وتقريب الرؤى، وكيفية التعامل والمشاركة البناءة بعد العلاج.
  6. الخروج من المركز والالتزام بطرق التعافي وهي الخطوة التي بدأ فيها ابني في الخروج بعدما تعلم كيفية إدارة الأفكار الإدمانية، وكان من المهم ان يلتزم بطرق التعافي والواجبات التي يطبقها يوميا حتى يحمي نفسه من الانتكاسة ويتعامل مع الانسحاب طويل المدى ورغبة التعاطي.

ابني كان يعلم تماما بعد علاج إدمانه أن عقله مازال مرتبطا بالنشاط الإدماني وانا كذلك، وأي مثير قد يؤثر فيه للرجوع للتعاطي، لذلك ظللنا نتشارك في الأنماط الصحية وتغيير الحياة حتى مر على تعافيه ثلاث أعوام، والآن هذا يوم تخرجه من كلية الهندسة واخترت هذا اليوم تحديدا لأروي تجربتي مع ابني المدمن، لأنني فخورة به وعزيمته للتغلب على مرض مدمر مثل الإدمان، وإصراره على التعافي والنجاح في جامعته.

الخلاصة : عند وجود ابن مدمن قد يأخذنا الانفعال وتسيطر علينا الصدمة، لكن في الحقيقة الهدوء ومعرفة الحلول الطبية هي الوسيلة الأكثر نفعا لنا وله، لذا يجب ان نعرف أننا نتعامل مع مريض، يعاني من الاستخدام القهري ولا يستطيع التحكم في نفسه، وكل ما يفعل خارج نطاق سيطرته، و دورنا كآباء وامهات محاولة إقناع الابن بعلاج الإدمان من خلال التعامل الجيد معه، تلك المعرفة وإيصالها إليك هي غايتي لرواية تجربتي مع ابني مدمن المخدرات، فأنا أشعر بكل اب وأم يعانون من تلك المشكلة، وأريد أن يختصروا الطريق ويتوجهون للوسائل الصحيحة حتى لا يقعوا في أخطاء قد تكون عواقبها التأخير في العلاج، فالإدمان قد يقتل الابن في اي لحظة، لذا لا تترددوا في التحرك والاستعانة بالمتخصصين الذين وجدت منهم كل العون والتفهم، إليكم رقم الواتس آب الخاص بمستشفى الهضبة: 0201154333341.

ا. الهام عيسي